مدرسة الهاشمية وشلال الذكريات والتداعيات

مدرسة الهاشمية وشلال الذكريات والتداعيات

إبراهيم غرايبة

سعدت كثيرا عندما وجدت منتدى مدرسة الهاشمية الثانوية للبنين على موقع الإنترنت، وكانت مفاجأة جميلة أن اجد أبناء بلدتي يتجمعون في هذا المنتدى ويقدمون إسهاماتهم المعرفية، وربما يكون المنتدى ملتقى لأبناء البلدة الذين انتشروا في جميع أنحاء العالم، وبلغ كثير منهم مراتب متقدمة في العلم والعمل، ومضوا طلبا للعلم والعمل في أنحاء متفرقة، وأصابوا نصيبا كبيرا نعتز به.

بالنسبة لي فمازالت ذاكرة اليوم الأول في المدرسة مهيبة في نفسي أكاد أتذكر كل لحظاتها ومشاهدها، الطابور الهائل كما كان يبدو لي، والمبنى الضخم، لعله الأكبر في حياتي، ولم تصل إلى دهشته في نفسي مشهد ناطحات السحاب ومركز التجارة العالمي في نيويورك عندما زرتها عام 1998، والأستاذ أبو عمر محمد الربابعة يقود هذا الجيش مثل جنرال أسطوري، عندما كبرنا قليلا كنا نستذكر ضاحكين تعليق مطلق القواقنة ذلك الساخر العظيم، "كأنه يخطب في قوات حلف الأطلسي" اللوحة المعلقة على واجهة المدرسة كانت تبدو لي شيئا عظيما "مدرسة فارة الإعدادية، تأسست عام 1927" ولكني عندما كبرت ورأيت في الإدارة سجلات المدرسة وجدت أسماءا الطلاب والمعلمين وتعليقات زوار المدرسة من مسؤولي المعارف عام 1922، وكان من طلاب المدرسة في تلك المرحلة كما أتذكر الآن إن لم تخني الذاكرة، مصطفى إسماعيل الربابعة، ورحيل محمود الرحيل الغرايبة، ومحمد إبراهيم أبو صيني، وقبل تأسيس هذه المدرسة كان كتاب القرية الذي درس فيه الشيخ عبد الوهاب، وكان من تلاميذه والدي محمد محمود الرحيل الغرايبة، ولكن من المؤكد أن تاريخ التعليم في القرية كان يعود إلى ما قبل ذلك التاريخ بكثير، فقد تعلم في البلدة نفسها جدي الشيخ أحمد أبوصيني الذي ولد بحدود العام 1885 ووالده الشيخ عبد القادر، وأتذكر أن والدي كان يحتفظ في أوراقه برسالة كتبها له الشيخ عبد القادر من الناصرة، وعلمت أن شيخ البلدة كان الشيخ إبراهيم العيادات الذي هاجر في أوائل القرن العشرين وتوفي عام 1930، وقد علمه والده القراة والكتابة والقرآن الكريم ، ولست في موضع التأريخ للبلدة، فربما يكون الدكتور خليف غرايبة هو الأقدر والأكفأ، وقرأت في كتابه عن الجغرافيا التاريخية لعجلون سجلات ومعلومات عن القرية موثقة في الإدارة العثمانية تعود إلى العام 1596

ربما أتذكر جميع الأساتذة الذين علمونا، وأخشى أنني نسيت بعضهم، المدير أبو عمر ثم محمود الغرايبة أبو عكرمة، وحمود العقاب، وشتيوي حداد، ومحمد الصمادي الذي كان يدرسنا جميع الدروس ونمضي اليوم طوله في الصف في عقد مجاور للمدرسة، لعله مازال قائما حتى اليوم، وبسام الربضي، وناصر النمراوي، وخالد أبو صيني، وإبراهيم الربابعة.

ثم انتقلت للدراسة في مدرسة السبيرة الابتدائية بعدما هدأت الحرب وعاد الأهالي إلى مزارعهم التي هجرت لثلاث سنوات، وعدت مرة أخرى لاستئناف المرحلة الإعدادية في المدرسة.

كانت المدرسة تشهد نهضة كبرى، وتحولت إلى ثانوية، وكنا نشارك في مباريات رياضية وثقافية ورحلات مدرسية وكشفية، ونقيم أنشطة طلابية مختلفة، في المسرح والرياضة والرسم والشعر والقراءة،.. وكان أساتذة أجلاء علمونا كثيرا مما نملكه حتى اليوم من مهارات وقدرات، صالح أبو صيني الذي علمنا عشق اللغة العربية، ومحمد العقلة، وخليف الغرايبة، وحمزة الغرايبة، وأديب حداد، وعاطف الربابعة، وياسر الغرايبة، وطارق الخليل، وسمير الصمادي، وهاني أبو هديب، وهاني مقطش، وسلطان غريب، وفي عام 1980 العام الذي تخرجت فيه من الثانوية العامة كان معظم أوائل لواء عجلون من مدرسة الهاشمية، أنا كنت قد انتقلت إلى مدرسة عجلون، المدرسة الوحيدة في اللواء التي كانت تدرس الفرع العلمي، وأتمنى اليوم لو أني اخترت الفرع الأدبي وواصلت الدراسة مع أساتذة مدرستنا العظام الذين عز نظيرهم، ذلك أني بعد أن تخرجت من الثانوية العامة الفرع العلمي وكان معدلي 84% حاولت أن أواصل الدراسة في الكمبيوتر، التخصص الجديد الذي كان يستهوي جيلنا بالإضافة إلى الطب والهندسة وجدت أن الدراسة الأدبية تناسبني أكثر، فانتقلت إلى كلية الآداب لأدرس علم المكتبات والمعلومات.

لم أعد إلى المدرسة منذ غادرتها عام 1978 ولكني اليوم عندما شاهدت منتدى المدرسة على شبكة الإنترنت تداعت الذكريات والدروس والقصص والأسماء كما لو أني أعيش اللحظة نفسها، وأشعر أني قادر على سرد مئات الصفحات من القصص والمشاهد الباقية لدي، وفوجئت بالتفاصيل الكثيرة التي تستعاد وكأنها ملفات محفوظة كما هي، فتتجاور وتتلاقى أمامي في هذه اللحظة وتسثير الدموع والخجل والاعتزاز والشعور بالخطأ والندم والفخر، والأسرار الصغيرة، ..كلها تتزاحم في وقت واحد كأنها مشهد سينمائي واقعي ربما لو أتيح له التسجيل لكان عملا مليئا مؤثرا ولعلي أفعل ذلك، ولعل هذا المنتدى يشجع كل صاحب تجربة في المدرسة، وكل تلاميذها وأساتذتها لهم تجارب، فيكون لدينا سفر جميل ومميز، وأظن أننا نملك في مدرسة الهاشمية تجربة مميزة تستحق التسجيل والتوثيق، وربما تصلح أن تقدم لجميع الأردنيين.

وأقول في هذه اللحظة إن الهاشمية ومدرستها تستحق منا أكثر، ومن الوفاء والواجب أن نقدم جميعا ما يضيف إلى التجربة، وعلى المستوى الشخصي فإني أشعر بالخجل والتقصير لهذا النسيان والعقوق، وربما يكون لأجلي أنا شخصيا وأنا أفحص سيرتي فأجد أني تنطبق على عبارة التوراة "الآرامي التائه" أن أكتب على الأقل وأتذكر وأفكر مع الأصدقاء والزملاء في المنتدى والمدرسة والبلدة فيما يمكن أن نقدمه، وأظن أننا يمكن أن نعمل الكثير.

نشكرك كاتبنا الكبير على هذا الكلمات الرائعة

التي تنطلق من القلب الى القلب

» مدرسة الهاشمية في سطور
» انطلاقة مواقع مدرسة الهاشمية الالكتروني
» مدرسة الهاشمية الثانوية الشاملة للبنين (عجلون)