مبادئ الطب العربي الاسلامي (2)

المبدأ الثاني : هو الاعتدال

على عكس ما يعتقده العامة من الناس، وخاصةً في أوروبا، فإن الإسلام دين يحب بل ويرتكز على الاعتدال. فإذا كانت المسيحية مثلاً ترفض الطلاق، واليهودية تسمح به لأقل هفوة، فإن الدين الإسلامي يسمح به على أنه أبغض الحلال عند اللّه.

وإذا كانت اليهودية تبيح تعدد الزوجات إلى ما لا نهاية (كان لداود ألف زوجة شرعية) والمسيحية لا تبيح الزواج إلا بواحدة، فإن الإسلام سمح بأربع واشترط العدل مع التأكيد على أن الرجل لن يعدل.

ولقد شجع الإسلام على العيش باعتدال فـ"لا رهبانية في الإسلام"، كما جاء في الحديث الشريف. وقالص : >إن لجسدك عليك حقاً<. وقال : >أوصيكم بقلة الطعام<. وقال : >نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع<. وجاء في القرآن الكريم : {كلوا واشربوا ولا تسرفوا}.

والاعتدال، في رأيي، هو التوازن بين الحياة والصحة الجسدية، التوازن بينها وبين الحياة الروحية التي تؤمن للإنسان انسجاماً بينه وبين بيئته. وكل هذا يقود إلى السعادة.

يقول ابن سينا : >إن المعتدل الذي يستعمله الأطباء في مباحثهم مشتق من العدل في القسمة. وهو أن يكون قد توفر فيه على الممتزج بدناً كان بتمامه، أو عضواً من العناصر بكمياتها وكيفياتها، القسط الذي ينبغي له في المزاج الإنساني إلى أعدل قسمة ونسبة<. ثم يضيف : >إن اللّه جل جلاله أعطى الإنسان أعدل مزاج ممكن أن يكون في هذا العالم<.

والاعتدال هو حال الصحة. أما المرض فهو فساد الاعتدال، واختلال التوازن هذا، بحيث أن أحد الأخلاط الأربعة يزداد حتى يطغى على البقية فيكون المرض. وتكون المعالجة برد الاعتدال، وذلك باستخراج الخلط الزائد بالاستفراغ؛ أي تفريغ العضو أو الجسم من أحد هذه الأخلاط الزائدة : بالتقيء، والإسهال، والفصد، والتعرق.

وللمرض سَيْرٌ مقنَّن : ابتداء، وصعود، فنهاية ثم انحطاط. وتكون النهاية إما بالشفاء، أوبالاختلاطات والعقابيل، أو الموت.

وعلى اعتبار أن للجسم قوةً حياتيةً طبيعيةً تساعده على مقاومة الداء، لذا وجب احترامها. ويجب أن نتركها تعمل، وأن لا نتدخل إلا في وقت خاص هو البحران Crisis. والمقصود هو قمة تطور المرض، والزمن الذي ستتغير فيه مسيرة الداء، فإما إلى الشفاء وإما إلى الهلاك. وعلى الطبيب أن يتدخل في تلك اللحظة.

كان القدماء يولون تقدم المعرفة Prognosis أهميةً كبرى، وهي لا تعني ما نفهمه اليوم من كلمة إنذار Pronostic، بل هي معرفة مسيرة المرض كلية : قبلاً، وحالاً، ومستقبلاً؛ أي كيفية البداية، وأسبابها، والحال وانقلاب المرض وتطوره.

وهنا كانت تبرز براعة الطبيب ومعرفته، لأنه بمجرد الاستجواب والفحص يتمكن من معرفة المرض وأدواره.

وكان لجس النبض أهمية كبرى، كذلك للتفسرة أي فحص القارورة (البول). ومعظم هذه المفاهيم مأخوذة عن المفاهيم البقراطية اليونانية للطب، هذا الطب اليوناني المستلهم من الطب والفلسفات الشرقية كما سبق وقلت.

درس الآشوريون والبابليون الفلك وقسموا الأبراج إلى اثني عشر برجاً، والأشهر إلى اثني عشر أيضاً، فأخذ اليهود والعرب أسماءها منهم.

إن مفهوم البحران أيضاً مأخوذ عنهم.

أخذ اليونانيون عن مصر الفرعونية وصف الرضوض القحفية، ومرض الكزاز، ووصف الاستمناء في النخاع الشوكي، وبعض الوصفات الطبية.

ويقول الفيلسوف روجيه غارودي : >إن أسطورة المعجزة اليونانية لم تتشكل إلا بفضل ذلك التجاهل المتعمد، أو النبذ المتعمد، لجذور ورفاهية أثينا. أما الأسطورة اليهودية فهي مغذاة بالجهل نفسه، وبالنبذ نفسه

مشكوووور اخي على هذا الموضوع بارك الله فيك