img]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]غزة - تحمل ابنة أخيها بين ذراعيها وتهرول إلى مستشفى الشفاء في مدينة غزة، لتجد أكواما من جثث الشهداء ملقاة في طرقات المشفى الوحيد بغزة، فلا سرير فارغ يتكفل الطفلة الرضيعة التي تعاني من حروق شديدة.
وتقـول عمتـها لـ"إسلام أون لاين.نت": "بيت شقيقي (أحمـد البوريني) مُـلاصق لأحـد المقـرات الأمنيـة وحيـن تم قصفـه انهـار المنزل على من فيـه.. أخي استشهد وزوجته مُصابة بإصابات خطيرة ترقد في غرفة العناية المُركزة.. ورحل ابنهم سامي لم يتجاوز سبعـة أعـوام.. هذه الطفـلة تُعاني من حروق شـديدة..".
وبينما كانت تُحاول التخفيف عن وجع الرضيعة استدركت والدموع تخنقـها: "ما ذنبها أن تستيقظ على هذا الواقع.. بلا أب ولا أم.."، ثم هزت رأسها واكتفت بـ"حسبنا الله ونعم الوكيـل".
وارتفع عدد ضحايا المجزرة الإسرائيلية المتواصلة لليوم الثاني على غزة إلى أكثر من 300 شهيد وحوالي ألف جريح، بينهم ما لا يقل عن 180 في حالة الخطر الشديد، وفق أحدث إحصائية لمديرية الإسعاف والطوارئ الفلسطينية.
رائحة الموت
وسريعا ما امتلأت ثلاجة الموتى في مستشفى الشفاء التي تتسع لأقل من ثلاثين جثة وسط اندفاع عشرات المسعفين والمدنيين وهم يحملون جثث وأشلاء شهداء في ممرات المشفى الذي أضحت رائحة الموت تفوح في كل جنباته.
ويندفع الشاب محمد بشير حافي القدمين ويحتضن بين يديه جثة الطفل عدي أبو المنسي ذي الأعوام السبعة، وقد أصيب للتو بشظايا قاتلة في الوجه، بينما كان مع والده عبد الحكيم الذي استشهد أيضا في غارة إسرائيلية استهدفت مقرا للشرطة في دير البلح.
وعمت الفوضى قسم الاستقبال في المستشفى مع وصول عشرات من سيارات الإسعاف والمركبات المدنية تقل شهداء وجرحى.
ودعا مسعفون عبر مكبرات صوت المواطنين الذين يتعرفون على جثث أقاربهم، لنقلها فورا لدفنها كي يتسنى إيداع عشرات الجثث التي تكدست أمام ثلاجة الموتى.
وفجأة تتعالى صرخات أسماء (40 عاما) التي كانت تجول بين جثث القتلى: "ولداي الاثنان استشهدا".
وقالت المرأة المفجوعة في فلذتَيْ كبديها والتي لم تتوقف عن البكاء وهي حافية القدمين ومكشوفة الرأس: "خلي (دع) الحكام العرب ينبسطوا".
وعلى نقالة الموتى وضعت جثة الشهيد محمد أبو شعبان وهو من أفراد الشرطة، وبجانبه جثة طفلة مجهولة.
ويقول وسام شقيق الشهيد الذي لم يستطع حبس دموعه: "إنها مجزرة رهيبة".
أبو جهاد البالغ من العمر 65 عامًا وهو من سكان حي الزيتون شرق غزة، كان يتنقل ببطء بين الجثث دون أن يجد ابنه الذي يعمل في شرطة حماس، وقد أبلغه أحد أصدقائه للتو أنه استشهد، وما زال تحت ركام مقر جمعية الأسرى الذي استهدف في الغارة.
لكن الحظ حالف ابن عمه أبو عبد الله حمود الذي علم لتوه أن ابنه محمد (38 عاما) القيادي الميداني في كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس تم انتشاله من تحت ركام مبنى جمعية الأسرى المكون من عشر طبقات والذي حولته الصواريخ الإسرائيلية إلى كومة من ركام.
"ودعت نور عيني"
وبعيدا عن المشفى، سقط عليان مغشيا عليه عندما قال أحد أبنائه صارخا: "أبـي.. لقـد استشهد عـز الدين"، وبعد برهة استيقظ الرجل ليبكي بحـرقة أصغـر أبنائه الذي قضى نحبه في قصف مقـر "الجوازات"، وما هي إلا لحظات حتى باغتته أخبـار أخرى مُحملّة برائحـة الموت: "نجلك البكـر أنـور رحـل.. وابن شقيقك (مُحمـد) استشهد هو الآخـر..".
هـذه المـرة الإغماءات كانت من نصيب العائـلة كلها، ويصـرخ "رفيق" صـاحب الثلاثـة الأعوام: "بابا.. حبيبي بابا.. وين رحت (أين ذهبت)...".
أنور ترك خلفه زوجة و"رفيق" الذي لا يكف عن السؤال عن والده، أما نجله الأصغر "أنس"، في الشهـر الرابع، فلا يعي فاجعة ما جرى حوله.
وبصعوبة بالغة قالت أم أنور لـ"إسلام أون لاين.نت": "فقدت أكبرهم وأصغرهم.. لم أُودع أولادي.. لقد ودعت نور عيني.. والله انطفأ هذا النور.. انطفأ..".
وللمأساة أوجه متعددة، بالرغم من أن الرابط بينها هو لون الدم، فقبل أسبـوع كانت ريم زوجـة "علي أبو ريّالة" ترتدي فستانها الأبيض، أما اليوم فارتدت رداء أسود حدادا على عريسها الشهيد.
وتقول لـ"إسلام أون لاين.نت": "لم أتصـور أن يغادرني على عجـل.. لقد كان يُمازحني: ستسمعين خبر استشهادي يوما.. ولكن بهذه السـرعة.. يا ألله".
أما والدتها فألقت بكامل غضبها على الأنظمـة العربيـة: "هل ما يجري في عروقنا ماء.. إننا نموت في أبشع وأقذر حـرب عرفها التاريخ...".
وخارج جدران بيت أبو ريّالة، تتعالى أصوات النحيب من كل مكان، فلا يخلو زقاق من شهداء.. ورداء الحداد أضحى زيا رسميا لسيدات غزة.
[